زمان زمان..كان ياما كان..عندما كان الأمير”هيتشوو” غارقا فى حالة من العشق ذهب الى سوق المدينة،فلما
ذهب الى هناك تصادف وجود الأميرة الراحلة”كيساى نوميا” فأخذ يغازلها ويحاول التقرب منها، ثم قام بعد ذلك بكتابة رسالة الى الأميرة، فلما تلقتها ردت عليها قائلة:” ترى..لمن توجه هذه الرسالة؟ فهناك الكثيرات من النبيلات اللاتى يركبن عربات تجرها الخيول؟ فرد عليها الأمير ببيتين من الشعر قال فيهما:
وها أنا قد رأيت..
حتى الآن
الكثيرات من نساء القصر
ورأيت ألوانا كثيرة
لثيابهن
لكن لون ثوبك
هو الوحيد الذى
عشقته
وذبت فى هواه !
لكن ذلك اللون الذى ذكره الأمير”هيتشوو” فى شعره كان فى الحقيقة هو لون ثوب إبنة الأمير “موساشى نو كامى” حاكم ولاية“موساشى” ! فقد كانت ترتدى ثوبا لونه أحمر قان. لقد وقع الأمير فى غرام من ترتدى هذا الثوب ، فما حدث أن تلك الأميرة إنتبهت إلى وقوع ذلك الأمير فى غرامها عن طريق هذا الثوب ، فردت على رسالته وتوطدت علاقتهما ببعضهما. وكانت الأميرة حسناء بديعة المظهر شعرها أسود فاحم وطويل ولا غبار عليها،وكان الكثيرون من شباب النبلاء قد حاولوا التقرب منها ولكنها رفضتهم جميعا. ولكن لأن الأمير”هيتشوو” ظل يلح عليها برسائله العاطفية فقد قبلت أن تقابله فى نهاية الأمر فى موعد غرامى، لكنه بعد أن غادر مخدعها فجر اليوم التالى لم يرسل اليها ولاحتى رسالة واحدة، فظلت تنتظر منه رسالة حتى ليل ذلك اليوم ولكن دون فائدة، وانتظرت اليوم التالى أيضا..ولكن لم ترد من الأمير أية رسائل، وفى اليوم الثالث جاءتها وصيفتها تقول لها:” لقد سمعت كثيرا بسيرة ذلك الأمير، فيبدو أنه رقيع وداعر ومعتاد للخيانة. لقد دأب ذلك الأمير على مراسلتك وطلب لقاءك أكثر من مرة حتى نال مراده ثم اختفى في نهاية الأمر – إنه مهما بلغت مسئولياته – فما الذى يجعله لا
يكتب ولو رسالة واحدة إليك ياسيدتى؟ إنه أمر يدعو للأسف ! ولأن الوصيفة قالت ما كانت تفكر فيه الأميرة فقد شعرت بالحرقة وصعبت عليها نفسها فأخذت تبكى بشدة. وتلك الليلة لم تفقد الأميرة الأمل وظلت تنتظر حضور
الأمير لزيارتها،لكنه لم يأت كعادته ولم يرسل خطابا يخفف صبرها. وهكذا مرت ستة أيام كاملة دون أن ترد أية أخبار عنه.فصارت الأميرة تجهش بالبكاء وامتنعت عن تناول الطعام، فأخذت وصيفتها تواسيها قائلة:” لاتبك هكذا يا سيدتى. فليست هذه هى النهاية بالنسبة لك..فحتما سوف يظهر أمامك رجل آخر يحبك حبا حقيقيا..فلا تجزعى ولاتفقدى الأمل”. وهكذا ظلت الأميرة معتكفة بغرفتها، ومن شدة حزنها على نفسها قامت فى يوم من الأيام بقص شعرها وصارت راهبة حليقة الرأس ! وهكذا تجمعت الوصيفات حولها وصرن يبكين بحرقة بسبب الحالة التى وصلت إليها أميرتهم ، فقالت الأميرة لهن:” إننى أشعر بالخجل من الحال الذى وصلت إليه..ولوكان بيدى لأنهيت حياتى بيدى..لكنى لا أملك الشجأعة لأفعل هذا..فسوف أكرس وقتى كله للصلاة والدعاء..فأرجو أن تدعونى وشأنى فأنا أريد أن أنعم بالهدوء والسكينة”.
أما على الجانب الآخر فقد كانت هناك أمور منعت الأمير “هيتشوو” من زيارتها، ففى صباح اليوم التالى من ليلة زيارته لمخدعها ،حدث أن مر رئيسه فى العمل ببيته ، ولما كان الأمير نائما فقد أيقظه رئيسه فى العمل وهو يقول له:” ألازلت نائما حتى هذه الساعة”؟ ثم اصطحبه الى مكان بعيد ليشتم الهواء النقى..فاحتسى الخمر وهاج وماج ولم يجعل الأمير يعود الى بيته تلك الليلة، وبعد أن ترك هذا الشخص جاءه استدعاء من الامبراطور فذهب إليه فاصطحبه الامبراطور معه فى موكبه حيث ذهب الى منطقة “أووىغاوا” حيث قضى هناك ليلتين، وخلال إقامته هناك مع الامبراطور كان يشرب الخمر كل ليلة ، وأخيرا جاءت الليلة التى قرر فيها أن يذهب إلى مخدع حبيبته..فإذا بقارىء الطالع يخبره أن الليلة تنذر بنحس عليه وأن عليه الالتزام بالبقاء فى بيته. وهكذا كان الأمير قلقا على مشاعر حبيبته وأيقن أنها تعانى من الوحدة وأن الظنون صارت تسيطر عليها ، فأخذ ينتظر اليوم الذى يستطيع فيه الخروج من بيته لزيارتها وليشرح لها الظروف التى منعته من زيارتها، وحين شرع فى كتابة رسالة إليها جاءه شخص ما يطرق الباب ، فقال الأمير :” من الطارق”؟ فرد عليه الزائر قائلا:” هناك أمر هام أريد أن أبلغه اليكم” ! ، فلما فتح الباب ونظر الى الزائر وجده وصيفة من وصيفات حبيبته، فاضطرب قلبه..وسمح
لها بالدخول، فإذا بها تعطيه مكتوبا مرسلا من الأميرة، فلما فضه شعر بعبق جميل ساحر يفوح من أوراق الرسالة، لكنه اكتشف وجود شعر الأميرة الذى قامت بقصه وقد ربطته فى حزمة واحدة، ثم وجدها ترفق برسالتها بيتين من الشعر قالت فيهما:
كنت أظن أن مجرة التبانة
توجد فقط
فى السماء
لكن ها أنا أدرك الآن
أن نهر..
“أمانوكاوا” هذا..
هو نهر من..
دموعى
وكنت أظن أننى
لن أصير يوما ..
راهبة
حليقة الرأس
ولكن ها أنا
اليوم
أصير هكذا
فيالحزنى..
ولوعتى !
لقد اسودت الدنيا فى عيون الأمير حين علم أن محبوبته الأميرة صارت راهبة حليقة الرأس، فعندما سأل الوصيفة عن حالها أجابته قائلة:” لقد حلقت سيدتى شعر رأسها تماما ، ولهذا فنساء السرايا كلهن يبكين على حالها ليل نهار..فقد كان شعرها أسودا طويلا فاحما أجمل من أى شعر امرأة أخرى رأيته فى حياتى” ، ثم أجهشت
الوصيفة بالبكاء، فاحتار الأمير فى أمره ولم يدر ماذا يفعل، وأخذ يعاتب نفسه على السلوك الذى سلكه الأيام الماضية وتسبب فى ابتعاده عنها ..ولكنه لم يكن يملك سوى البكاء على حالها، ثم سطر بيتين من الشعر أرسلهما الى الأميرة يقول فيهما:
مهما بكيت يا حبيبتى
فهل سيمنع ذلك القدر..
الذى..
حولك الى..
راهبة
حليقة الرأس؟
وهكذا ذهب الأمير من فوره الى جناح حبيبته الأميرة ، ففوجىء بها تعتكف فى غرفة داخلية، ولما لم يستطع الدخول إليها قال لوصيفاتها:” أضعف الايمان أن تجعلونى أسمع صوتها” ، ولكن طلبه قوبل بالرفض ، فعاد الأمير على أعقابه يجر أذيال الاحباط وخيبة الأمل !